علامات التعجب كثيرة على هذه الوثيقة البريطانية المهمة، فهى تؤكد أنه كان لبريطانيا موقف مبدئى ضد تطوير قناة السويس منذ عام 1958، عندما طَرحت مصر فكرة توسعة القناة أو حفر قناة أخرى موازية لكى تكون حركة السفن فى اتجاهين، لاستيعاب المزيد من حركة التجارة العالمية، وبالتالى زيادة دخل مصر من العملة الصعبة. وكانت مصر تأمل فى توفير التمويل بقرض من البنك الدولى يتراوح بين 120 مليون و200 مليون جنيه استرلينى، فى أعقاب تسويتها للخلافات المادية مع الغرب التى نتجت عن قرار تأميم قناة السويس. ثم إن هذه الوثيقة أفرجت عنها بريطانيا رسمياً، كما أن ناشرها هذا الشهر هو موقع بى بى سى- العربى، الذى هو موقع رسمى بريطانى، غير بى بى سى المحلية للجمهور البريطانى التى تتمتع بقدر من الاستقلال عن التدخل الحكومى. وقد عرض عامر سلطان النقاط الأساسية للوثيقة فى تقرير معلومات مكثف، جاء فيه أن مصر كانت تأمل، بعد عامين من أزمة السويس وتسويتها، أن تنال القرض لإنشاء ما سمى آنذاك أكبر مشروع لتطوير قناة السويس.

تؤكد الوثيقة سرعة رد فعل بريطانيا فى التعامل مع الموضوع على أعلى مستوى من الخبراء، حيث حصلت من سفارتها بالقاهرة على التفاصيل، وقد كان للجيش البريطانى دور مؤثر فى اتخاذ لندن قرار الاعتراض على التمويل الدولى للمشروع، وذلك بناء على طلب الحكومة البريطانية من الجيش البريطانى تقييم المشروع من الناحية الإستراتيجية، فأحال وزير الدفاع الملف إلى لجنة رؤساء الأركان فى القوات المسلحة، التى طلبت من هيئة التخطيط العسكرى بها إعداد تقرير شامل، فخلُصت الهيئة إلى توصية الحكومة برفض القرض والسعى إلى منع البنك الدولى من تمويل المشروع. وكان تعليق وزير الدفاع الذى رُفِع إليه التقرير أن هناك اعتراضات عسكرية قوية للغاية عليه. وحذّر التقرير من أن المشروع سيُهدِّد حلف بغداد ويثير غضب دوله التى تعوِّل عليها سياسة بريطانيا فى الشرق الأوسط، وكانت بريطانيا تراهن على الحلف، المُكوَّن من العراق وإيران وباكستان وتركيا، فى مواجهة المدّ السوفييتى الشيوعى فى المنطقة، وجاء فى التقرير إن إستراتيجية بريطانيا فى الشرق الأوسط تقوم على أسس منها دعم حلف بغداد.

[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب

رابط دائم: 

magnifier linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram