لكل مدينة شخصيتها وطابعها الخاص، فالمدن مثلها مثل الكائنات الحية تنمو وتتطور، ومن هنا تأتى أهمية التوثيق البصرى للتحولات والتطورات التى تشهدها المدن، سواء على مستوى البشر أو الحجر. خاصة إذا كانت هذه المدينة هى العاصمة اليابانية، طوكيو، إحدى أهم المدن الكبرى فى العالم وذات الوجوه المتعددة.

هكذا جاءت فكرة إقامة معرض التصوير الفوتوغرافى «طوكيو قبل وبعد»، والذى تقوم بتنظيمه «مؤسسة اليابان» بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، ويعرض خلاله مجموعة تضم 80 عملا لمصورين قاموا بتوثيق أحوال «طوكيو» خلال فترتين زمنيتين. الفترة الأولى تدور بين عامى 1930-1940، والثانية خلال الألفية الجديدة، وتحديدا بعد عام 2010.

> وجه جميل بشوارع طوكيو

والهدف من اختيار هاتين الفترتين الزمنيتين رغم تباعدهما، هو المقارنة التى يمكن من خلالها إظهار ماضى وحاضر، بل ومستقبل هذه المدينة الضخمة، بكل تشابكاتها المعمارية ومزجها بين التراث والحداثة فى آن واحد. حيث كانت ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، هى الفترة التى بدأ فيها الإطار الحالى لمدينة طوكيو فى التبلور، واستخدم المصورون آنذاك بشكل فعال التصوير الفوتوغرافى لتكوين صور نابضة بالحياة للأماكن الحضرية، والتى بدت حينها تتعارض مع الشكل القديم للمدينة.

وفيما تعد المجموعة الأخرى من الصور تسجيلا للظروف الاجتماعية المتقلبة بعد زلزال شرق اليابان العظيم الذى جرت وقائعه فى مارس 2011، والتحول الملحوظ عقب دورة الألعاب الأوليمبية 2020. فقد أبرزت أيضا تقنيات تصوير حديثة من أبرزها، دمج التصوير الفوتوغرافى بالوسائل الرقمية.

المعرض يكشف عن جدل جرى بسبب ضخامة العاصمة اليابانية، ما دفع كثيرا من المتخصصين والمعماريين إلى التساؤل عن هوية هذه المدينة. والتى تعد من وجهة نظر البعض، مزيجا معقدا بين الأصالة والحداثة والمعاصرة.

> طوكيو وعالمها ترصدها لقطات لا ينقصها الفن والموهبة

فقد بدأت النهضة الفعلية لطوكيو خلال «عصر مييجى» بالقرن الـ 19، بالتزامن مع الإصلاحات السياسية والاقتصادية التى شهدتها هذه الفترة. فأصبحت خلالها المدينة الضخمة تحتضن كبرى الشركات وأولى الجامعات فى البلاد، فضلا عن ظهور المبانى الحكومية الضخمة التى صممها المعماريون الأوروبيون.

وهى أيضا الفترة ذاتها، التى بدأ فيها المصورون الأجانب الذين اعتادوا على العيش فى مدينة «يوكوهاما»، وكذلك المصورون اليابانيون الذين تعلموا منهم فن التصوير فى تسجيل هذه التحولات. وتصبح «طوكيو» منذ ذلك الحين، موضوعا شديد الجاذبية للمصورين.

و«منطقة طوكيو» الكبرى تضم إلى جانب «طوكيو»، «سايتاما»، و»تشيبا» ومحافظة «كاناجاوا»، بإجمالى 30 مليون نسمة. فضلا عن أن لديها تاريخا طويلا ومتكررا من النمو والدمار ثم النهوض والازدهار مرة أخرى، سواء بسبب الحرائق أو الزلازل، مثل الزلزال الكبير عام 1923، الذى دمر أكثر من نصف مبانى المدينة، أو ما شهدته بعد ذلك بعشرين عاما، بسبب القصف المكثف خلال الحرب العالمية الثانية.

توثيق لحظات الألم والتـألق هذه يرصدها المعرض، الذى توضح أيومى هاشيموتو، مديرة مؤسسة اليابان فى القاهرة، أنه يتخذ سمة « متجول» وبدأ منذ عام 2018، ليقام فى عدة دول، مثل الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، والبرازيل، وروسيا، وكرواتيا، وألمانيا، وعمان، وإيران.

ولأن مؤسسة اليابان بالقاهرة هى المكتب الوحيد للمؤسسة فى الشرق الأوسط وإفريقيا، فكان لابد للقاهرة أن تستضيف مثل هذا المعرض.

وتشير أيومى هاشيموتو إلى أن المعرض يضم أعمالا لأشهر المصورين اليابانيين، مثل دايدو موراياما، و نوبوتشى أراكى، وغيرهما. وقد تم اختيار الصور المشاركة من قبل واحد من أهم النقاد اليابانيين هو كوتارو إيزاوا.

وأضافت أنه فى إطار الإعداد لهذا المعرض، تمت دعوة أحد المصورين المعروفين والمشارك أيضا بأعماله فى المعرض الحالى، وهو شينيا أريموتو، لزيارة مصر مؤخرا، ليقدم ورشة عمل لمجموعة من المصورين المصريين.

ومن بين عشرات الصور المعروضة فى «طوكيو قبل وبعد»، تبرز صور تسجل الحياة اليومية لأشخاص عاديين، وأخرى توضح اندماج الثقافة التقليدية فى تفاصيل الحياة الحديثة.

وهناك مجموعة صور أخرى تستعين بالرسوم المتحركة، ومجموعة مختلفة توثق تتابع عمليات البناء فى أحد الأبراج الواقع فى حى «سوميدا» بالعاصمة. ومعها «بورتريهات» لمواطنى « طوكيو» بتقنية الأبيض والأسود، وذلك لإضفاء مزيد من الإحساس بالعمق والثراء. ولا يغفل المعرض إبراز أعمال أخرى لجيل من الشباب يستخدم بشكل واسع التقنيات الرقمية.

> يستقبل معرض «طوكيو قبل وبعد» زواره بـ «متحف أحمد شوقى» حتى 5 يوليو المقبل .

رابط دائم: 

magnifier linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram