تبرع اليوم لمساعدة المعهد في توسيع نطاق تحليلاته المنشورة باللغة العربية.
توقع رضا بهلوي، ولي العهد الإيراني السابق، في الأول من يناير/كانون الثاني أن “عام 2023 سيكون عام النصر للأمة الإيرانية وعام تحقيق الحرية والعدالة في إيران”. وفي ردّ لها، كتبت جريدة “صبح صادق” الناطقة بلسان الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في 18 سبتمبر/أيلول، إن غياب التظاهرات العامة في الذكرى السنوية لاحتجاجات عام 2022 يمثل “نهاية الوهم”. وفي حين لم تزل أمامنا إلا أشهر قليلة قبل انتهاء عام 2023، يبدو أن نبوءة بهلوي بالانهيار الوشيك للنظام، وادعاءات الحرس الثوري الإيراني بأن نظامه غير معرض للخطر هي مجرد أوهام.
إن توقعات الشخصيات المعارضة الإيرانية بالانهيار الوشيك لنظام تبدو مشروعيته الضعيفة واضحة للعيان على نطاق واسع لها ما يبررها. فالجمهورية الإسلامية هي، أولًا، نظام ديني يحكم مجتمع تتنامى فيه العلمانية بشكل متزايد، حسب ما وثقته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر الذي يضعف من مشروعية النظام الدينية. ثانيًا، قد أدى التلاعب الممنهج بالانتخابات من قبل النظام إلى الحد من المشاركة الانتخابية، ليصبح النظام أقل تمثيلًا للشعب الإيراني وتتدهور شرعيته السياسية. ثالثًا، تحت وطأة العقوبات الدولية وسوء الإدارة الاقتصادية، يجد النظام في إيران صعوبة متزايدة في توفير الخدمات للشعب مما يضعف من مشروعية الأداء للنظام الإيراني.
لكن فقدان الشرعية وحده لا يمكنه أن يؤدي بصورة بديهية إلى انهيار الأنظمة الاستبدادية. حدّد عالِم السياسة جاك جولدستون، في هذا السياق، خمسة شروط ضرورية وكافية لنجاح الثورات، وهي: الضغوط الاقتصادية أو أعباء مالية على الصعيد الوطني، والشعور بالاغتراب السياسي أو النفور من النظام من قبل النخب ومعارضتهم له، والغضب الشعبي واسع النطاق إزاء المظالم، والسردية المشتركة والمقنعة للمقاومة، وأخيرًا العلاقات الدولية المواتية. في الوقت الراهن على الأقل، لا يبدو أن أياً من هذه الظروف حاضرة في إيران، الأمر الذى يعيق إمكانية نجاح الثورة أو تغيير النظام.
أولًا، يواجه أن النظام الإيراني ضغوطًا اقتصادية، ولكنه نجى من حملة “الضغوط القصوى”، الناجحة إلى حد كبير، والتي أعلنها وشنها الرئيس السابق دونالد ترامب، “لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر”، لكن الرئيس بايدن لم يفرض العقوبات بنفس الحماس الذي اعتمده سلفه، مما مكّن إيران، بحسب ما ورد، على زيادة صادرات النفط. ثانيًا، في حين يبدو أن الشعور بالاغتراب السياسي، وحتى المعارضة، في تزايد عند بعض النخب الإيرانية، مثل رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي، تُواصل النخب الحاكمة خدمة النظام إلى حد كبير. ويرجع هذا إلى أسباب عديدة، بما في ذلك المكاسب المالية التي تجنيها هذه النخب، وخوفهم على حياتهم في حال انهار النظام. ثالثًا، إن حالة الغضب المستشرية على نطاق واسع من المظالم لا تفضي بالضرورة إلى توحيد الشعب، إن العديد من الإيرانيين غاضبون ضد النظام لعدم قدرته على تقديم الخدمات لهم، ويرجع هذا الاستياء عند البعض إلى تقييد النظام لحرياتهم الشخصية، وعند البعض الآخر، وهم أقل عددًا، إلى الحرمان من الحريات السياسية. ولا يمكن لهذه المجموعات غير المرتبطة والمنعزلة، في غياب عناصر القيادة والتنظيم، ترجمة غضبها إلى مبادرات منسقة وفعالة ضد النظام. رابعًا، تفتقر المعارضة الإيرانية إلى رؤية بديلة للبلاد، لمرحلة ما بعد الجمهورية الإسلامية، رؤية قادرة على حشد المواطنين في صراع موحد. خامسًا، إن الأوضاع الدولية مؤاتية للنظام. ففي حين تقدم كل من روسيا والصين الدعم الفعال لإيران، لا يبدو أن أي دولة، ربما باستثناء إسرائيل، على استعداد للمخاطرة بالحرب مع إيران من خلال تقديم الدعم الوافر والمجدي للمعارضة.
كما تستفيد الجمهورية الإسلامية من عاملين مهمين آخرين هما كفاءة النظام النسبية وعجز المعارضة المطلق.
يتباهى النظام الإيراني بقيادته المؤسساتية، حيث يمارس المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي دور الحَكَم بين مراكز القوى المتنافسة. بالإضافة إلى هذا، يستفيد النظام من سيطرته على بيروقراطية الحكومة ومواردها. من ناحية أخرى، تفتقر المعارضة الإيرانية للقيادة والتنظيم والموارد. جدير بالذكر، أن لا أحد من شخصيات المعارضة التي حضرت الجلسة المشتركة في جامعة جورجتاون في العاشر من فبراير/شباط تحت عنوان “مستقبل الحركة الديمقراطية الإيرانية”، كان مستعدًا لتولي قيادة المعارضة الإيرانية. وبنفس القدر من الدلالة، من بين الثماني شخصيات التي حضرت الجلسة، كان هناك شخص واحد فقط يمثل منظمة، بينما شارك الباقون بصفتهم الشخصية.
منذ ذلك الحين، أثبت هذا الممثل التنظيمي الوحيد بأنه يشكل عبئًا على المعارضة بدلًا من أن يكون رصيدًا لها. وفي مقابلة أجرتها وسائل الإعلام الناطقة باللغة الكردية، يقال إن عبد الله مهتدي، الأمين العام لحزب “كوملة” في كردستان الإيرانية، وهي جماعة معارضة كردية إيرانية مسلحة مقرها في إقليم كردستان العراق، قد أعلن التزامه بوحدة أراضي إيران قبل جلسة جامعة جورجتاون. قال مهتدي في مقابلاته مع وسائل الإعلام الناطقة باللغة الكردية إن حزب كوملة سيكون له “مطالب أخرى بمجرد أن تتم الإطاحة بالنظام”، في إشارة، على ما يبدو، إلى الرغبة في الانفصال. وبتأكيده على النزعة الانفصالية للحزب، أضحت
رسالة النظام الإيراني للجمهور الإيراني بسيطة وواضحة: إن انهيار الجمهورية الإسلامية وانتصار حلقة المعارضين الذين اجتمعوا في جورجتاون [دائرة جورجتاون] يعنيان تفكك الدولة الإيرانية.
وفي حين تمكن النظام من الجمع بين القسوة من جهة والبراجماتية والمرونة الإيديولوجية اللافتة للنظر من جهة أخرى، لا تزال شخصيات المعارضة الفردية رهينة لمواقف أيديولوجية سابقة، وفي بعض الأحيان، للمصالح المباشرة لداعميها الأجانب. على سبيل المثال، يبدو أن النظام لم يعد يطبق بشكل منظم قوانين الحجاب الإلزامي، وذلك استنادًا إلى كثير من مقاطع الفيديو لأشخاص يسيرون في شوارع طهران. كان التنفيذ العنيف لتشريع الحجاب في السابق أداة فعالة لضمان التوافق الإيديولوجي للطبقة الوسطى بالمدن، والذي بلغ ذروته بوفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى “شرطة الأخلاق”، الأمر الذي كان سببًا في استفزاز عامة الناس ودفعهم إلى العصيان. وبدلًا من المخاطرة بإحداث موجة جديدة من الاحتجاجات المناهضة له، بات النظام يغض النظر في معظم الأحيان، مع أن بعض حالات التطبيق الصارم للحجاب ما تزال تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي.
لا نجد مثل هذه البراجماتية عند شخصيات المعارضة، التي تمنعها صلابتها الإيديولوجية، وربما التزاماتها تجاه الحكومات الأجنبية، من بناء الجسور مع النخب، وخلق تحالف فعال ضد النظام. وقد طالبت مسيح علي نجاد، وهي صحفية منفية عضوة في دائرة جورجتاون، بمحاكمة موسوي، زعيم الحركة الخضراء الإيرانية، بتهمة التواطؤ المزعوم في القتل الجماعي للسجناء السياسيين في أواخر ثمانينيات القرن العشرين. كان يمكن لموسوي، الذي ما يزال قيد الإقامة الجبرية منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2009، والذي يحظى بشعبية كبيرة في صفوف النخبة الحاكمة وعامة الناس، أن يكون حليفًا مفيدًا للمعارضة الإيرانية.
ولا تختلف مواقف بهلوي عن ذلك. ففي مقابلة أجرتها معه إذاعة “صوت أمريكا الفارسية” في أبريل/نيسان 2019، عارض ولي العهد السابق تصنيف إدارة ترامب “الحرس الثوري الإيراني” على أنه منظمة إرهابية أجنبية، ربما لاعتقاده بأن هذه القوات قد تكون مفيدة له يومًا ما. ففي نهاية المطاف، كانت المفاوضات السرية التي أجراها آية الله العظمى روح الله الخميني مع الجيش الإمبراطوري الإيراني قد أسفرت عن إعلان الأخير حياده تجاه الثورة الإسلامية في عام 1979، وضمنت الانتقال السلمي للسلطة من نظام البهلوي إلى حكم الخميني وحلفائه. لذلك كان من المفاجئ أن يناشد بهلوي الاتحاد الأوروبي، في تغريدة نشرها في 15 يناير/كانون الثاني، طالبًا منه تصنيف الحرس الثوري الإيراني بأكمله كمنظمة إرهابية، وشرع لاحقًا في زيارة إلى إسرائيل، التي دفعت باتجاه أجندة مماثلة. وما زاد من الالتباس هو حثّ بهلوي، منذ ذلك الحين، أعضاء “الحرس الثوري الإيراني” على “الانضمام إلى الشعب الإيراني في ثورته”. ومن غير المرجح أن تجعل تغيرات المواقف ولي العهد السابق مفضلًا لدى “الحرس الثوري”، بل قد تكون، على الأرجح، قد عززت التماسك داخل صفوفه. كما أنها تدفع بالشعب إلى التشكيك في الدوافع وراء تحركات بهلوي التي تبدو متناقضة.
صحيح إن المعارضة الإيرانية في الخارج واهمة، ولكن الأمر نفسه بالنسبة لقوات “الحرس الثوري الإيراني” التي تزعم بأن النظام لا يقهر. وكما هي الحال مع أي نظام آخر، فالنظام الإيراني لديه نقاط ضعف. ولكن بما أن الظروف التي تؤدي إلى الثورات غير متوفرة في الوقت الحالي كما يبدو، لا يوجد في الأفق أي احتمال لانهيار وشيك للنظام في إيران. إذا ما استجدت تلك الشروط المواتية، سيكون بإمكان حركة معارضة فعالة أن تستغل الفرصة للإطاحة بالجمهورية الإسلامية.
إن الآراء الواردة هنا هي آراء خاصة بالكاتب أو المتحدث ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية في واشنطن أو موظفيه أو مجلس إدارته.
بعد ست سنوات من استفتائه على الاستقلال، يواجه إقليم كردستان العراق تحديات سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة.
سوف تراقب كل من واشنطن والرياض الخطوات التالية قبل إعادة تقييم إمكانية التوصل لاتفاق ثلاثي مع إسرائيل.
الأسئلة الكثيرة التي بدأ الإسرائيليون بطرحها في الساعات الأولى للهجوم امتزجت بمشاعر الغضب والاحباط تجاه السلطات السياسية والعسكرية لإخفاقها الذريع بحمايتهم.
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.